نمو الزواج
الزواج مثل الطفل يولد صغيرًا، و ينمو بالرعاية و
التربية، و يضْعُف بالإهمال والمعاملة السيئة (Guerine et al, 1987). و
إذا كان الطفل في مرحلة الرضاعة عرضة للأمراض، و في حاجة إلى عناية خاصة
من الوالدين حتى تمر هذه المرحلة بسلام. نفس الشيء بالنسبة للزواج، ففي
بدايته يكون عرضة للخلافات التي تعصف به. وفي حاجة إلى عناية خاصة من
الزوجين والأهل، حتى تمر هذه المرحلة و يفهم كل من الزوجين الآخر، و يتعود
على طباعه، و يألف عاداته و أفكاره. فقد أشارت الدراسات إلى كثرة الخلافات
بين الزوجين في بداية الزواج بسبب قلة خبرة كل منهما بالآخر (Arkoff,
1968).
و كما أن نمو شخصية الطفل تعتمد على علاقته بوالديه، و التي
يشعر فيها بالأمن والطمأنينة، فكذلك نجاح الزواج و استمراره يعتمد على
العلاقة بين الزوجين، و التي يشعر فيها كل منهما بالأمن و السكن إلى
الآخر. و أي خلل في هذه العلاقة يجعله زواجًا هزيلاً مريضًا، لا يقوى على
الاستمرار في تحقيق أهدافه للزوجين و المجتمع.
و كما أن الإنسان عرضة
للأمراض و الانحرافات في جميع مراحل حياته، وفي حاجة إلى جهود في تنميته و
وقايته من هذه الأمراض و الانحرافات. نفس الشيء بالنسبة للزواج، فهو عرضة
للخلافات الزوجية في جميع مراحله، و في حاجة إلى جهود كبيرة من الزوجين في
المحافظة عليه و تقويته، و حمايته من الخلافات التي تهدمه، أو تمنعه من
تحقيق الأهداف النفسية و الاجتماعية والروحية، و في حاجة أيضًا إلى جهود
من الزوجين و الأهل و المجتمع، لعلاج الخلافات الزوجية في الوقت المناسب،
قبل أن تفسد التفاعل الزواجي أو تؤدي إلى الانفصال و الطلاق.
و سنتناول
في هذا الموضوع نمو الزواج و عوامله، و المراحل التي يمر عليها، ومستويات
النجاح في الزواج بحسب مراحل النمو و أساليب التوافق والتفاعل بين الزوجين.
1. مفهوم النمو:
نمو
الزواج كنمو الشخصية مفهوم فرضي Hypothetical concept نستدل عليه من تفاعل
الزوجين معًا، و من أساليب توافقهما الزواجي، ومشاعرهما نحو بعضهما، و
أفكارهما عن الزواج و الأسرة، و اتجاهاتهما في الحياة، وجهودهما في تحقيق
أهدافهما الزواجية و الأسرية.
و يقصد بنمو الزواج، تحويل الزوجين من
عادات العزوبية إلى عادات الزوجية، واكتسابهما مهارات التعامل معًا و مع
الناس، و تنمية قدراتهما على تحسين حياتهما الزواجية، و حل مشكلاتها، و
تحمل مسؤولياتها، و تنمية أفكارهما و مشاعرهما نحو بعضهما و نحو الزواج، و
تنمية دوافعهما في العمل و التضحية من أجل الأهل و الأولاد، و في الاندماج
معًا في التفكير والمشاعر والاهتمامات، و يتآلف كل منهما مع الآخر ويتكامل
معه، و ينتمي إليه. فقمة النمو في الزواج تتمثل في المودة و الحميمية بين
الزوجين.
و عندما ينمو الزواج و يصل إلى هذه المرحلة، يغدو كالشخصية
السوية، يقوم على الحب و العمل و الموضوعية في التعامل، و المرونة في
تحديد الطموحات و المثابرة في تحقيق الأهداف، و القدرة على تحمل الصعوبات
و حل المشكلات، و الرضا بالحاضر والتفاؤل بالمستقبل، و التسامح مع الزلات،
والعفو عند المقدرة. و هذا ما يجعل الزواج الناجح أساس تماسك الأسرة و
ترابطها، وركيزة الصحة النفسية للزوجين و أولادهما.
و يخضع نمو الزواج
لمبادئ النمو البيولوجي، من حيث أنه يمر بمراحل، لكل مرحلة خصائصها و
وقتها، و عوامل نموها و تكاملها مع غيرها من المراحل، فالزواج لا ينمو
دفعة واحدة و لا تحل مشاكله مرة و إلى الأبد، ولتسير العلاقة الزوجية فيه
على حال واحد مدى الحياة، لكنها تنمو على مراحل متصلة متتابعة، يصعب الفصل
بينهما. فكل مرحلة تتأثر بما قبلها، و تؤثر فيما بعدها.
2. طبيعة النمو:
لقد
افترض "اريكسون" من خلال نظريته في النمو النفس اجتماعي Psycho-social
development theory، أن الزواج كالشخصية يمر بثماني مراحل (Erikson,
1963)، يحدث في كل مرحلة تحولات في أفكار الزوجين ومشاعرهما و سلوكياتهما
في التوافق الزواجي، فيتجه التفاعل بينهما من الناحية السلبية- التي تضعف
العلاقة الزوجية-إلى الناحية الإيجابية التي تقويها و تغذيها و تنميها.
فمراحل النمو في الزواج، مراحل تحولات Transitional stages تنطوي كل منها
على أزمة يسميها "إريكسون" بأزمة التحول أو أزمة النمو Development crisis
أو أزمة الحياة Life crisis.
و يعتمد نمو الزواج على قدرة الزوجين في
اجتياز أزمة كل مرحلة، و حل مشكلاتها حلاً مناسبا، فينتقل إلى المرحلة
التالية قويًا متينًا، أو حلا غير مناسب، فينتقل ضعيفاً، أو يتوقف الزواج
عن النمو، و قد يحدث الطلاق لاحقاً. و أن كل أزمات النمو موجودة في الزواج
من بدايته(Erikson, 1963)، فكل زواج يحمل جميع أزمات نموه مع عقد قران
الزوجين، ثم تظهر كل أزمة في المرحلة المناسبة لها، و تسيطر مشكلاتها على
العلاقة الزوجية، و تتضمن مواجهة بين الزوجين و مع البيئة، و تحمل إمكانية
النمو و التوافق من ناحية،و إمكانية التأزم و سوء التوافق من ناحية أخرى.
أي إمكانية التفاعل الإيجابي، فتقوى العلاقة الزوجية، و إمكانية التفاعل
السلبي، فتضعف هذه الأخيرة.
3. مراحل النمو:
يمـر الـزواج بثمانـي مراحـل نلخصها فـي الآتـي:
3-1- الإحساس بالثقة:
يواجه
الزوجان في المرحلة الأولى من الزواج أزمة الثقة، فيسعى كل منهما إلى
اختبار سلوكيات الآخر نحوه، و يتعرف على أفكاره و مشاعره و اتجاهاته، فإن
كانت ترضيه، و تبعث فيه السرور، و تشعره بالارتياح، اطمأن إليه و وثق به،
أما إذا كانت لا ترضيه و تثير غضبه، و تشعره بعدم الارتياح فلا يطمئن إليه
و لا يثق فيه.
و تنمية الإحساس بالثقة The sense of trust بين الزوجين
في هذه المرحلة عامل أساسي في نمو الزواج، لأن كل منهما يعتمد على الآخر
في إشباع حاجاته الجسمية والجنسية و النفسية والاجتماعية، و هي حاجات
أساسية لا يستطيع أن يشبعها إلا معه، فإن وجده كفء في ذلك نمى الإحساس
بالثقة عنده، و إن وجده غير كفء و عرضة للحرمان و الإحباط، نمى الإحساس
بعدم الثقة The sense of mistrust و اضطربت العلاقة الزوجية.
و ينمو
الإحساس بالثقة بين الزوجين من خلال فهم كل منهما لحاجات الآخر، وتواصله
معه عقليا و وجدانياً، بطريقة تشعره – أي الآخر- بالاستحسان والتقدير و
التعاطف معه، و الثقة فيه و حسن الظن به، و التودد له. كما تعتبر السنة
الأولى من الزواج، فترة حرجة في بناء العلاقة الزوجية، و في تحديد ما
سيكون عليه الزواج في المراحل التالية. فالزواج في هذه السنة يكون كالطفل
الرضيع، في حاجة إلى عناية خاصة من الزوجين، وتشجيع الأهل و الأصدقاء لهما
حتى يتغلبا على أزمة الثقة، و يتحول كل منهما إلى الإحساس بالثقة في
الآخر، و الاطمئنان إليه. فالثقة في هذه المرحلة، ثقة أساسية Basic trust
يقوم عليها الإحساس بالثقة في المراحل التالية (Smart, 1977)
3-2- الإحساس بالإرادة المشتركة:
ينمو
الزواج بعد الإحساس بالثقة إلى المرحلة الثانية، و فيها يتحول الزوجان إلى
الارتباط معاً في وحدة نفسية، و يزداد اعتماد كل منهما على الآخر، ويستغني
به عن غيره من الناس.
و تواجه الزواج في هذه المرحلة "أزمة استقلال
إرادة الزوجين المشتركة"، وتحولهما من الاعتماد على الوالدين إلى الاعتماد
على نفسيهما، و إثبات كفاءتهما في الحياة الاجتماعية، و تقوية الروابط
بينهما في علاقة حميمية Close Relationship، و عندما يحس كل من الزوجين في
هذه المرحلة بالإرادة المشتركة، و يعتبرها إرادته هو، و يتخذ قراراته في
الأسرة (بضمير نحن)، فإنه يسلك سلوكيات تؤكد ارتباطه بالزوج الآخر.
و
من الأخطار التي تهدد الزواج في هذه المرحلة، تسلط أهل الزوج أوالزوجة على
الزوجين (أو أحدهما)، و منعهما من التعبير عن إرادتهما المشتركة، وإعاقة
استقلاليتهما في اتخاذ القرارات التي تخصهما كزوجين، و التدخل في شؤونهما،
مما يضعف ارتباطهما معًا، و يؤدي إلى استمرار اعتماد كل منهما على أهله،
ويجعله يشعر بالخجل لفشله في التعبير عن استقلالية إرادته، و يشك في قدرته
على حل هذه الأزمة، و تزداد اتكاليته على أهله.
كذلك التسلط من طرف أحد
الزوجين على الآخر، و مغالاته في توقعاته منه، والتشدد في الحصول على
حقوقه منه، إجباره، و تحقيره، مما يجعله يشك في نفسه، و يخجل من عدم
كفاءته في القيام بأدواره الزوجية، و يندم على زواجه ويُظْهر السلبية أو
العناد والتحدي.
و من بين الأخطار التي تهدد الزواج في هذه المرحلة،
يكمن في تسامح كل من الزوجين مع الآخر، تسامحا زائدا، يشعره بالإهمال و
عدم الاهتمام به، فعندما يترك أحد الزوجين الزوج الآخر على هواه، يعمل ما
يشاء دون تدخل منه فإنه بذلك يغضبه ويجعله – أي الزوج الآخر- لا يعرف ما
إذا كانت سلوكياته مقبولة أو غير مقبولة، مؤثرة أو غير مؤثرة، و يوقعه في
الشك و الحيرة في توافقه معه، و قد يشعره بالإهمال و عدم رغبة قرينه في
التفاعل معه.
فكما يحتاج الطفل الرضيع إلى حماية من طرف الوالدين، كذلك
الزواج في هذه المرحلة يحتاج إلى رعاية من الأهل لتشجيع الزوجين الجديدين
على الاستقلال بإرادتهما المشتركة، و عدم التدخل في شؤونهما الزواجية
وتدعيم قراراتهما. فالزواج في هذه المرحلة مثل الطفل في سن 2 إلى 4 سنوات
تقريبا يسعى إلى إثبات ذاته و إلى الشعور بالكفاءة و الاعتماد على النفس.
3-3- الإحساس بالاندماج بين الزوجين:
بعد
أن يثق كل من الزوجين في الآخر و يرتبط به، و ينمو وعيهما بإرادتهما
المشتركة، تزداد قناعة كل منهما بزواجه، و يسعى إلى اكتساب المهارات في
أداء أدوار الزوجية، و الإبداع فيها و عمل كل ما هو جديد من أجل إرضاء
الزوج الآخر، واكتشاف الأنشطة التي تروِّح عن نفسه و تبعث فيه السرور،
وتبعد السأم عنه. مما يساعد على اندماجهما معًا، و جعلهما أكثر تعاونا معا
وأكثر تقبلاً في المجتمع(Erikson, 1963).
و عندما يشعر الزوجان
بالاندماج معا، يسكن كل منهما نفسيا إلى الآخر، ويلتزم بواجباته نحوه، و
تزداد ثقته في استعمال ضميـر "نحن" في التعبير عن كونهما أسرة واحدة.
و
من الأخطار التي تعوق النمو في هده المرحلة، عدم حصول أي من الزوجين على
الاستحسان و التقدير من الزوج الآخر، على إبداعه في أداء واجباته الزواجية
و تضحياته في الأسرة، أو تحقير أعماله، و الحط من شأنه، وإهانته على كل
تقصير، و محاسبته عليها حسابا عسيرا، يغرس فيه فكرة أنَّه سيء و غير كفء،
و ينمي فيه الشعور بالذنب، و يجعله غير راض عن حياته الزواجية.
3-4- الإحساس بالكفاءة في الزواج:
تتكون
في هذه المرحلة فكرة كل من الزوجين عن نفسه و عن الزوج الآخر في الزواج،
من خلال شعوره بالكفاءة في أداء أدواره الزوجية، و حصوله على الاستحسان
والتقدير من الآخر، و مقارنة زواجه بزواج الآخرين، و إدراكه أنهما زوجان
ناجحان.
فبعد أن تنمو الثقة بين الزوجين و يرتبط كل منهما بالآخر و
يندمج معه، ويسكن إليه، يجتهد في إنجاز واجباته الزوجية بدقة و إتقان، و
يكتسب المعارف اللازمة لأدائها، يستمتع بها، و يشعر بالكفاءة، كلما عمل
شيئا من أجل الزوج الآخر. و يدفعه الاستحسان منه إلى المثابرة على بذل
الجهد في التوافق معه، وحل المشكلات، و تنمية الأسرة.
و يظهر في هذه
المرحلة تنافس الزوجين في عمل الواجبات الزوجية (وهو تنافس شريف)، والسبق
في بذل الجهد من أجل تنمية الزواج و الأسرة، و يغدو كل منهما عضدا للآخر،
يسانده و يشد من أزره، و يدفعه إلى النجاح و التفوق، في سبيل الارتقاء
بمستواهما الاجتماعي و الثقافي و المهني.
و من بين الأخطار التي تهدد
الزواج في هذه المرحلة عزل أحد الزوجين عن مسؤولياته في الأسرة، و حرمانه
من حقوقه، فلا يعترف الزوج الآخر بجهده، ولا يقر بفائدة وجوده في الأسرة،
و يحقر أفكاره و يستخف بها، مما يشعره بالنقص و عدم الكفاءة، و يدمر فكرته
عن نفسه كزوج أو زوجة، و يدفعه إلى كراهية الحياة الزوجية، وفقدان الثقة
في نفسه و في الزوج الآخر(Erikson, 1963).
ومن الأخطار أيضًا التي تهدد
الشعور بالكفاءة في الزواج، شعور الزوج (أوالزوجة العاملة) بعدم الكفاءة
في العمل، و عدم الرضا عنه، و تعرضه للظلم و الإحباط في المكافأة و
الترقية أو تعرضه للبطالة، فقد وجد (Smart, 1977) أن الناس غير الناجحين
في عملهم مهيئين للطلاق أكثر من غيرهم، لشعورهم بعدم الكفاءة في حياتهم
الزوجية، واعتقادهم أن التحرر من الزواج يخفف من أعبائهم المالية و
مسؤولياتهم الأسرية.
و يحتاج الزواج في هذه المرحلة إلى تنمية مفهوم
الزواج عند كل من الزوجين، فيُشْعر كل منهما الآخر بالثقة في موضعه في
الأسرة (زوج أو زوجة – أب أو أم) و بالكفاءة في القيام بأدواره الزوجية، و
بالتشجيع على تحمل مسؤولياته و المساعدة في الحصول على حقوقه. فالزواج في
هذه المرحلة كالطفل في سن (6 إلى 12) سنة، حيث يسعى إلى تكوين فكرته عن
نفسه: كفء أم غير كفء، من خلال أحكام الوالدين و المدرسين على أعماله،
كذلك الزوجان يسعى كل منهما إلى تكوين فكرته عن مكانته و أدواره في
الأسرة، من خلال أحكام الزوج الآخر على أعماله في البيت و خارج البيت،
وتقديره لها، وتشجيعه عليها، و من خلال شعوره هو بالكفاءة الذاتية في أداء
أدواره الزوجية.
3-5- الإحساس بهوية الزواج:
يتم في هده المرحلة صقل
فكرة كل من الزوجين عن نفسه و عن الزوج الآخر، وتنمو فكرته عن فائدة
الزواج و أهميته و مستقبله، و يعرف من هو كزوج أو زوجة وماذا حقق من
الزواج، و ماذا يريد منه، و ما سيكون عليه في المستقبل.
و تتحدد هوية
الزواج و تتضح حدوده بسهولة، كلما شعر الزوجان بكفاءتهما في أداء
أدوارهما، و حصل كل منهما على الاستحسان و التقدير من الآخر، وشعر بالراحة
النفسية في وجوده معه، فيدرك نجاحه في الزواج، و يرضى عنه و عن حياته
الأسرية، ويثق في مستقبله.
و ينمو في هذه المرحلة الولاء و الإخلاص
للزواج و الأسرة، و يزداد اقتناع الزوجين بفائدة الزواج و الأسرة لهما و
لأولادهما للمجتمع، و يسعى كل منهما إلى التشابه مع الزوج الآخر في
الاهتمامات و الاتجاهات، و يجتهد في مسايرته و الاقتراب منه و تحمل عيوبه.
و
الخطر الرئيسي الذي يفسد هوية الزواج، هو فشل الزوجين في حل أزمات ومشكلات
المراحل السابقة، و ظهور ما يسميه "أريكسون" (Erikson, 1963) أزمة الهوية
حيث تثور شكوك كل من الزوجين في الزواج، و تضطرب علاقته بالزوج الآخر، و
يسخط على زواجه منه، و يندم على حياته معه، و يقلق على حاضرها و مستقبلها،
ولا يعرف ما له و ما عليه، و لا يثق في نفسه كزوج أوزوجة، و يشعر بغموض
أدواره في الحياة، فيسوء توافقه مع نفسه و مع الأسرة، و تضطرب علاقته
الزوجية و يسعى إلى الإفتكاك منها.
و يحتاج النمو في هذه المرحلة إلى
العناية بالزواج من بدايته و رعايته في كل مرحلة، حتى تتضح هويته، و لا
يتعرض لأزمة الهوية التي يصعب علاجها بدون تنمية الإحساس بالثقة و
الارتباط و الاندماج و الشعور بالكفاءة التي تقوم عليها هوية الزواج
الناجح والسعادة الزوجية.
3-6- الإحساس بالألفة:
يشعر الزوجان في
هذه المرحلة بالألفة و الصحبة في زواجهما، و تغدو الروابط بينهما أكبر من
أن تكون رباطا جنسيا أو رباط مصالح مشتركة، بل رباط حب و عطاء وتضحية، و
يكون الزوج لباسا لزوجته، وهي كذلك. و يجد كل منهما تحقيق ذاته في عمل أي
شيء في سبيل الزوج الآخر.
و يكمن الخطر الذي يتهدد النمو في هذه
المرحلة في تمَيُّعْ هوية الزواج، بسبب الفشل في الأدوار الزوجية، و تكرار
التعرض للإحباط الذي يُبعد كلاً من الزوجين عن الآخر، ويعزله نفسيا عنه، و
يجعله يُهمل في واجباته، و لا يلتزم بقيم الزواج و أخلاقه، و تصبح العلاقة
الزوجية علاقة نمطية، خالية من الثقة والرضا و المودة، و يعيش الزوجان
معاً جسديا، و ينعزلان نفسياً، و يضطرب التواصل بينهما، و يسوء التفاعل، و
يتعذر عليهما الاستمرار في الزواج.
3-7- الإحساس بالرعاية الوالدية:
يصل
الزواج في هذه المرحلة إلى مستوى العطاء أكثر من الأخذ، و بذل الحب أكثر
من طلبه، و التضحية من أجل الآخرين بدون مقابل، فيزداد اهتمام كل من
الزوجين بالعمل في سبيل رعاية الآخر، و الإنفاق عليه. و العناية به، رغبة
فيه و حباً له، فتسمو العلاقة الزوجية إلى مستوى الرعاية الوالدية في
العطف و الحنان، و في المودة والرحمة. فيشعر أحد الزوجين تجاه الآخر
بعاطفة الأبوة أو الأمومة، فتحنو الزوجة على زوجها كأمه، و يحنو الزوج على
زوجته كأبيها.
و يزداد في هذه المرحلة حب الأطفال، و بذل الجهد في
تربيتهم و العناية بهم، و العمل من أجل الأسرة و تحسين ظروفها، و مع هذا
لا يرتبط الإحساس بالرعاية الوالدية بالإنجاب أو عدم الإنجاب. فقد يحس كل
من الزوجين بالرعاية الوالدية من الزوج الآخر دون أن ينجبا، و قد ينجبا و
لا ينمو عندهما الإحساس الوالدي، فيكون عطفهما على الأطفال ناقصاً.
و
الخطر الذي يتهدد النمو في هذه المرحلة استغراق أحد الزوجين في ذاته، وعدم
قدرته على التحرر من أنانيته و فرديته، فيهتم براحته الشخصية، و يعيش
لإشباع حاجاته و شهواته، و لا مكان عنده لرعاية الآخرين و العناية بهم،
فيكره الإنجاب، و إذا أنجب لا يربي، و يزعجه وجود الأطفال في البيت، و لا
يتحمل مسؤولياتهم، و الزوج بهذا النوع لا يعبأ بأخلاقيات الزواج و الطلاق،
و لا يكترث بما يترتب عليهما من مسئوليات، فالمهم عنده إشباع حاجاته و
تحصيل ملذاته.
3-8- الإحساس بالتكامل بين الزوجين:
وهي أعلى مرتبة
في نمو الزواج، و فيها يتكامل الزوجان، و يشعر كل منهما بعدم قدرته عن
الاستغناء عن الآخر، و يخلص له و يضحي من أجله، و يعمل على إكرامه
وإنصافه، و يحبه بعيوبه، و يدافع عن زواجه بكل قوة، و يشعر بالسعادة في
علاقته الزوجية، ويجد في زواجه الأمن و الطمأنينة و السكن النفسي، و
المودة و الرحمة، ويزداد ارتباطه بالزوج الآخر و اندماجه معه.
و الخطر
في هذه المرحلة يكمن في إحساس أحد الزوجين أو كليهما باليأس في حياته
الزوجية، عندما ينحرف الزواج عن مساره الطبيعي و تحل أزمات مراحله السابقة
في الاتجاه غير المرغوب فيه، فتتراكم في المرحلة الثامنة أحاسيس عدم الثقة
و الخجل والشك و الذنب و التقمص و تمتع الهوية و العزلة و الاستغراق في
الذات و اليأس. و هذا يعني أن الإحساس باليأس يمثل قمة التعاسة و الشقاء
في الزواج، بينما يمثل الإحساس التكامل قمة السعادة الزوجية. و بين
القمتين درجات تبين مستويات النجاح و الفشل في الزواج، واتجاهات نموه، و
متانة العلاقة الزوجية، و أساليب التفاعل و التوافق الزواجي.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اقل كلمة شكر تجعلنى ازداد فى العطاء
الزواج مثل الطفل يولد صغيرًا، و ينمو بالرعاية و
التربية، و يضْعُف بالإهمال والمعاملة السيئة (Guerine et al, 1987). و
إذا كان الطفل في مرحلة الرضاعة عرضة للأمراض، و في حاجة إلى عناية خاصة
من الوالدين حتى تمر هذه المرحلة بسلام. نفس الشيء بالنسبة للزواج، ففي
بدايته يكون عرضة للخلافات التي تعصف به. وفي حاجة إلى عناية خاصة من
الزوجين والأهل، حتى تمر هذه المرحلة و يفهم كل من الزوجين الآخر، و يتعود
على طباعه، و يألف عاداته و أفكاره. فقد أشارت الدراسات إلى كثرة الخلافات
بين الزوجين في بداية الزواج بسبب قلة خبرة كل منهما بالآخر (Arkoff,
1968).
و كما أن نمو شخصية الطفل تعتمد على علاقته بوالديه، و التي
يشعر فيها بالأمن والطمأنينة، فكذلك نجاح الزواج و استمراره يعتمد على
العلاقة بين الزوجين، و التي يشعر فيها كل منهما بالأمن و السكن إلى
الآخر. و أي خلل في هذه العلاقة يجعله زواجًا هزيلاً مريضًا، لا يقوى على
الاستمرار في تحقيق أهدافه للزوجين و المجتمع.
و كما أن الإنسان عرضة
للأمراض و الانحرافات في جميع مراحل حياته، وفي حاجة إلى جهود في تنميته و
وقايته من هذه الأمراض و الانحرافات. نفس الشيء بالنسبة للزواج، فهو عرضة
للخلافات الزوجية في جميع مراحله، و في حاجة إلى جهود كبيرة من الزوجين في
المحافظة عليه و تقويته، و حمايته من الخلافات التي تهدمه، أو تمنعه من
تحقيق الأهداف النفسية و الاجتماعية والروحية، و في حاجة أيضًا إلى جهود
من الزوجين و الأهل و المجتمع، لعلاج الخلافات الزوجية في الوقت المناسب،
قبل أن تفسد التفاعل الزواجي أو تؤدي إلى الانفصال و الطلاق.
و سنتناول
في هذا الموضوع نمو الزواج و عوامله، و المراحل التي يمر عليها، ومستويات
النجاح في الزواج بحسب مراحل النمو و أساليب التوافق والتفاعل بين الزوجين.
1. مفهوم النمو:
نمو
الزواج كنمو الشخصية مفهوم فرضي Hypothetical concept نستدل عليه من تفاعل
الزوجين معًا، و من أساليب توافقهما الزواجي، ومشاعرهما نحو بعضهما، و
أفكارهما عن الزواج و الأسرة، و اتجاهاتهما في الحياة، وجهودهما في تحقيق
أهدافهما الزواجية و الأسرية.
و يقصد بنمو الزواج، تحويل الزوجين من
عادات العزوبية إلى عادات الزوجية، واكتسابهما مهارات التعامل معًا و مع
الناس، و تنمية قدراتهما على تحسين حياتهما الزواجية، و حل مشكلاتها، و
تحمل مسؤولياتها، و تنمية أفكارهما و مشاعرهما نحو بعضهما و نحو الزواج، و
تنمية دوافعهما في العمل و التضحية من أجل الأهل و الأولاد، و في الاندماج
معًا في التفكير والمشاعر والاهتمامات، و يتآلف كل منهما مع الآخر ويتكامل
معه، و ينتمي إليه. فقمة النمو في الزواج تتمثل في المودة و الحميمية بين
الزوجين.
و عندما ينمو الزواج و يصل إلى هذه المرحلة، يغدو كالشخصية
السوية، يقوم على الحب و العمل و الموضوعية في التعامل، و المرونة في
تحديد الطموحات و المثابرة في تحقيق الأهداف، و القدرة على تحمل الصعوبات
و حل المشكلات، و الرضا بالحاضر والتفاؤل بالمستقبل، و التسامح مع الزلات،
والعفو عند المقدرة. و هذا ما يجعل الزواج الناجح أساس تماسك الأسرة و
ترابطها، وركيزة الصحة النفسية للزوجين و أولادهما.
و يخضع نمو الزواج
لمبادئ النمو البيولوجي، من حيث أنه يمر بمراحل، لكل مرحلة خصائصها و
وقتها، و عوامل نموها و تكاملها مع غيرها من المراحل، فالزواج لا ينمو
دفعة واحدة و لا تحل مشاكله مرة و إلى الأبد، ولتسير العلاقة الزوجية فيه
على حال واحد مدى الحياة، لكنها تنمو على مراحل متصلة متتابعة، يصعب الفصل
بينهما. فكل مرحلة تتأثر بما قبلها، و تؤثر فيما بعدها.
2. طبيعة النمو:
لقد
افترض "اريكسون" من خلال نظريته في النمو النفس اجتماعي Psycho-social
development theory، أن الزواج كالشخصية يمر بثماني مراحل (Erikson,
1963)، يحدث في كل مرحلة تحولات في أفكار الزوجين ومشاعرهما و سلوكياتهما
في التوافق الزواجي، فيتجه التفاعل بينهما من الناحية السلبية- التي تضعف
العلاقة الزوجية-إلى الناحية الإيجابية التي تقويها و تغذيها و تنميها.
فمراحل النمو في الزواج، مراحل تحولات Transitional stages تنطوي كل منها
على أزمة يسميها "إريكسون" بأزمة التحول أو أزمة النمو Development crisis
أو أزمة الحياة Life crisis.
و يعتمد نمو الزواج على قدرة الزوجين في
اجتياز أزمة كل مرحلة، و حل مشكلاتها حلاً مناسبا، فينتقل إلى المرحلة
التالية قويًا متينًا، أو حلا غير مناسب، فينتقل ضعيفاً، أو يتوقف الزواج
عن النمو، و قد يحدث الطلاق لاحقاً. و أن كل أزمات النمو موجودة في الزواج
من بدايته(Erikson, 1963)، فكل زواج يحمل جميع أزمات نموه مع عقد قران
الزوجين، ثم تظهر كل أزمة في المرحلة المناسبة لها، و تسيطر مشكلاتها على
العلاقة الزوجية، و تتضمن مواجهة بين الزوجين و مع البيئة، و تحمل إمكانية
النمو و التوافق من ناحية،و إمكانية التأزم و سوء التوافق من ناحية أخرى.
أي إمكانية التفاعل الإيجابي، فتقوى العلاقة الزوجية، و إمكانية التفاعل
السلبي، فتضعف هذه الأخيرة.
3. مراحل النمو:
يمـر الـزواج بثمانـي مراحـل نلخصها فـي الآتـي:
3-1- الإحساس بالثقة:
يواجه
الزوجان في المرحلة الأولى من الزواج أزمة الثقة، فيسعى كل منهما إلى
اختبار سلوكيات الآخر نحوه، و يتعرف على أفكاره و مشاعره و اتجاهاته، فإن
كانت ترضيه، و تبعث فيه السرور، و تشعره بالارتياح، اطمأن إليه و وثق به،
أما إذا كانت لا ترضيه و تثير غضبه، و تشعره بعدم الارتياح فلا يطمئن إليه
و لا يثق فيه.
و تنمية الإحساس بالثقة The sense of trust بين الزوجين
في هذه المرحلة عامل أساسي في نمو الزواج، لأن كل منهما يعتمد على الآخر
في إشباع حاجاته الجسمية والجنسية و النفسية والاجتماعية، و هي حاجات
أساسية لا يستطيع أن يشبعها إلا معه، فإن وجده كفء في ذلك نمى الإحساس
بالثقة عنده، و إن وجده غير كفء و عرضة للحرمان و الإحباط، نمى الإحساس
بعدم الثقة The sense of mistrust و اضطربت العلاقة الزوجية.
و ينمو
الإحساس بالثقة بين الزوجين من خلال فهم كل منهما لحاجات الآخر، وتواصله
معه عقليا و وجدانياً، بطريقة تشعره – أي الآخر- بالاستحسان والتقدير و
التعاطف معه، و الثقة فيه و حسن الظن به، و التودد له. كما تعتبر السنة
الأولى من الزواج، فترة حرجة في بناء العلاقة الزوجية، و في تحديد ما
سيكون عليه الزواج في المراحل التالية. فالزواج في هذه السنة يكون كالطفل
الرضيع، في حاجة إلى عناية خاصة من الزوجين، وتشجيع الأهل و الأصدقاء لهما
حتى يتغلبا على أزمة الثقة، و يتحول كل منهما إلى الإحساس بالثقة في
الآخر، و الاطمئنان إليه. فالثقة في هذه المرحلة، ثقة أساسية Basic trust
يقوم عليها الإحساس بالثقة في المراحل التالية (Smart, 1977)
3-2- الإحساس بالإرادة المشتركة:
ينمو
الزواج بعد الإحساس بالثقة إلى المرحلة الثانية، و فيها يتحول الزوجان إلى
الارتباط معاً في وحدة نفسية، و يزداد اعتماد كل منهما على الآخر، ويستغني
به عن غيره من الناس.
و تواجه الزواج في هذه المرحلة "أزمة استقلال
إرادة الزوجين المشتركة"، وتحولهما من الاعتماد على الوالدين إلى الاعتماد
على نفسيهما، و إثبات كفاءتهما في الحياة الاجتماعية، و تقوية الروابط
بينهما في علاقة حميمية Close Relationship، و عندما يحس كل من الزوجين في
هذه المرحلة بالإرادة المشتركة، و يعتبرها إرادته هو، و يتخذ قراراته في
الأسرة (بضمير نحن)، فإنه يسلك سلوكيات تؤكد ارتباطه بالزوج الآخر.
و
من الأخطار التي تهدد الزواج في هذه المرحلة، تسلط أهل الزوج أوالزوجة على
الزوجين (أو أحدهما)، و منعهما من التعبير عن إرادتهما المشتركة، وإعاقة
استقلاليتهما في اتخاذ القرارات التي تخصهما كزوجين، و التدخل في شؤونهما،
مما يضعف ارتباطهما معًا، و يؤدي إلى استمرار اعتماد كل منهما على أهله،
ويجعله يشعر بالخجل لفشله في التعبير عن استقلالية إرادته، و يشك في قدرته
على حل هذه الأزمة، و تزداد اتكاليته على أهله.
كذلك التسلط من طرف أحد
الزوجين على الآخر، و مغالاته في توقعاته منه، والتشدد في الحصول على
حقوقه منه، إجباره، و تحقيره، مما يجعله يشك في نفسه، و يخجل من عدم
كفاءته في القيام بأدواره الزوجية، و يندم على زواجه ويُظْهر السلبية أو
العناد والتحدي.
و من بين الأخطار التي تهدد الزواج في هذه المرحلة،
يكمن في تسامح كل من الزوجين مع الآخر، تسامحا زائدا، يشعره بالإهمال و
عدم الاهتمام به، فعندما يترك أحد الزوجين الزوج الآخر على هواه، يعمل ما
يشاء دون تدخل منه فإنه بذلك يغضبه ويجعله – أي الزوج الآخر- لا يعرف ما
إذا كانت سلوكياته مقبولة أو غير مقبولة، مؤثرة أو غير مؤثرة، و يوقعه في
الشك و الحيرة في توافقه معه، و قد يشعره بالإهمال و عدم رغبة قرينه في
التفاعل معه.
فكما يحتاج الطفل الرضيع إلى حماية من طرف الوالدين، كذلك
الزواج في هذه المرحلة يحتاج إلى رعاية من الأهل لتشجيع الزوجين الجديدين
على الاستقلال بإرادتهما المشتركة، و عدم التدخل في شؤونهما الزواجية
وتدعيم قراراتهما. فالزواج في هذه المرحلة مثل الطفل في سن 2 إلى 4 سنوات
تقريبا يسعى إلى إثبات ذاته و إلى الشعور بالكفاءة و الاعتماد على النفس.
3-3- الإحساس بالاندماج بين الزوجين:
بعد
أن يثق كل من الزوجين في الآخر و يرتبط به، و ينمو وعيهما بإرادتهما
المشتركة، تزداد قناعة كل منهما بزواجه، و يسعى إلى اكتساب المهارات في
أداء أدوار الزوجية، و الإبداع فيها و عمل كل ما هو جديد من أجل إرضاء
الزوج الآخر، واكتشاف الأنشطة التي تروِّح عن نفسه و تبعث فيه السرور،
وتبعد السأم عنه. مما يساعد على اندماجهما معًا، و جعلهما أكثر تعاونا معا
وأكثر تقبلاً في المجتمع(Erikson, 1963).
و عندما يشعر الزوجان
بالاندماج معا، يسكن كل منهما نفسيا إلى الآخر، ويلتزم بواجباته نحوه، و
تزداد ثقته في استعمال ضميـر "نحن" في التعبير عن كونهما أسرة واحدة.
و
من الأخطار التي تعوق النمو في هده المرحلة، عدم حصول أي من الزوجين على
الاستحسان و التقدير من الزوج الآخر، على إبداعه في أداء واجباته الزواجية
و تضحياته في الأسرة، أو تحقير أعماله، و الحط من شأنه، وإهانته على كل
تقصير، و محاسبته عليها حسابا عسيرا، يغرس فيه فكرة أنَّه سيء و غير كفء،
و ينمي فيه الشعور بالذنب، و يجعله غير راض عن حياته الزواجية.
3-4- الإحساس بالكفاءة في الزواج:
تتكون
في هذه المرحلة فكرة كل من الزوجين عن نفسه و عن الزوج الآخر في الزواج،
من خلال شعوره بالكفاءة في أداء أدواره الزوجية، و حصوله على الاستحسان
والتقدير من الآخر، و مقارنة زواجه بزواج الآخرين، و إدراكه أنهما زوجان
ناجحان.
فبعد أن تنمو الثقة بين الزوجين و يرتبط كل منهما بالآخر و
يندمج معه، ويسكن إليه، يجتهد في إنجاز واجباته الزوجية بدقة و إتقان، و
يكتسب المعارف اللازمة لأدائها، يستمتع بها، و يشعر بالكفاءة، كلما عمل
شيئا من أجل الزوج الآخر. و يدفعه الاستحسان منه إلى المثابرة على بذل
الجهد في التوافق معه، وحل المشكلات، و تنمية الأسرة.
و يظهر في هذه
المرحلة تنافس الزوجين في عمل الواجبات الزوجية (وهو تنافس شريف)، والسبق
في بذل الجهد من أجل تنمية الزواج و الأسرة، و يغدو كل منهما عضدا للآخر،
يسانده و يشد من أزره، و يدفعه إلى النجاح و التفوق، في سبيل الارتقاء
بمستواهما الاجتماعي و الثقافي و المهني.
و من بين الأخطار التي تهدد
الزواج في هذه المرحلة عزل أحد الزوجين عن مسؤولياته في الأسرة، و حرمانه
من حقوقه، فلا يعترف الزوج الآخر بجهده، ولا يقر بفائدة وجوده في الأسرة،
و يحقر أفكاره و يستخف بها، مما يشعره بالنقص و عدم الكفاءة، و يدمر فكرته
عن نفسه كزوج أو زوجة، و يدفعه إلى كراهية الحياة الزوجية، وفقدان الثقة
في نفسه و في الزوج الآخر(Erikson, 1963).
ومن الأخطار أيضًا التي تهدد
الشعور بالكفاءة في الزواج، شعور الزوج (أوالزوجة العاملة) بعدم الكفاءة
في العمل، و عدم الرضا عنه، و تعرضه للظلم و الإحباط في المكافأة و
الترقية أو تعرضه للبطالة، فقد وجد (Smart, 1977) أن الناس غير الناجحين
في عملهم مهيئين للطلاق أكثر من غيرهم، لشعورهم بعدم الكفاءة في حياتهم
الزوجية، واعتقادهم أن التحرر من الزواج يخفف من أعبائهم المالية و
مسؤولياتهم الأسرية.
و يحتاج الزواج في هذه المرحلة إلى تنمية مفهوم
الزواج عند كل من الزوجين، فيُشْعر كل منهما الآخر بالثقة في موضعه في
الأسرة (زوج أو زوجة – أب أو أم) و بالكفاءة في القيام بأدواره الزوجية، و
بالتشجيع على تحمل مسؤولياته و المساعدة في الحصول على حقوقه. فالزواج في
هذه المرحلة كالطفل في سن (6 إلى 12) سنة، حيث يسعى إلى تكوين فكرته عن
نفسه: كفء أم غير كفء، من خلال أحكام الوالدين و المدرسين على أعماله،
كذلك الزوجان يسعى كل منهما إلى تكوين فكرته عن مكانته و أدواره في
الأسرة، من خلال أحكام الزوج الآخر على أعماله في البيت و خارج البيت،
وتقديره لها، وتشجيعه عليها، و من خلال شعوره هو بالكفاءة الذاتية في أداء
أدواره الزوجية.
3-5- الإحساس بهوية الزواج:
يتم في هده المرحلة صقل
فكرة كل من الزوجين عن نفسه و عن الزوج الآخر، وتنمو فكرته عن فائدة
الزواج و أهميته و مستقبله، و يعرف من هو كزوج أو زوجة وماذا حقق من
الزواج، و ماذا يريد منه، و ما سيكون عليه في المستقبل.
و تتحدد هوية
الزواج و تتضح حدوده بسهولة، كلما شعر الزوجان بكفاءتهما في أداء
أدوارهما، و حصل كل منهما على الاستحسان و التقدير من الآخر، وشعر بالراحة
النفسية في وجوده معه، فيدرك نجاحه في الزواج، و يرضى عنه و عن حياته
الأسرية، ويثق في مستقبله.
و ينمو في هذه المرحلة الولاء و الإخلاص
للزواج و الأسرة، و يزداد اقتناع الزوجين بفائدة الزواج و الأسرة لهما و
لأولادهما للمجتمع، و يسعى كل منهما إلى التشابه مع الزوج الآخر في
الاهتمامات و الاتجاهات، و يجتهد في مسايرته و الاقتراب منه و تحمل عيوبه.
و
الخطر الرئيسي الذي يفسد هوية الزواج، هو فشل الزوجين في حل أزمات ومشكلات
المراحل السابقة، و ظهور ما يسميه "أريكسون" (Erikson, 1963) أزمة الهوية
حيث تثور شكوك كل من الزوجين في الزواج، و تضطرب علاقته بالزوج الآخر، و
يسخط على زواجه منه، و يندم على حياته معه، و يقلق على حاضرها و مستقبلها،
ولا يعرف ما له و ما عليه، و لا يثق في نفسه كزوج أوزوجة، و يشعر بغموض
أدواره في الحياة، فيسوء توافقه مع نفسه و مع الأسرة، و تضطرب علاقته
الزوجية و يسعى إلى الإفتكاك منها.
و يحتاج النمو في هذه المرحلة إلى
العناية بالزواج من بدايته و رعايته في كل مرحلة، حتى تتضح هويته، و لا
يتعرض لأزمة الهوية التي يصعب علاجها بدون تنمية الإحساس بالثقة و
الارتباط و الاندماج و الشعور بالكفاءة التي تقوم عليها هوية الزواج
الناجح والسعادة الزوجية.
3-6- الإحساس بالألفة:
يشعر الزوجان في
هذه المرحلة بالألفة و الصحبة في زواجهما، و تغدو الروابط بينهما أكبر من
أن تكون رباطا جنسيا أو رباط مصالح مشتركة، بل رباط حب و عطاء وتضحية، و
يكون الزوج لباسا لزوجته، وهي كذلك. و يجد كل منهما تحقيق ذاته في عمل أي
شيء في سبيل الزوج الآخر.
و يكمن الخطر الذي يتهدد النمو في هذه
المرحلة في تمَيُّعْ هوية الزواج، بسبب الفشل في الأدوار الزوجية، و تكرار
التعرض للإحباط الذي يُبعد كلاً من الزوجين عن الآخر، ويعزله نفسيا عنه، و
يجعله يُهمل في واجباته، و لا يلتزم بقيم الزواج و أخلاقه، و تصبح العلاقة
الزوجية علاقة نمطية، خالية من الثقة والرضا و المودة، و يعيش الزوجان
معاً جسديا، و ينعزلان نفسياً، و يضطرب التواصل بينهما، و يسوء التفاعل، و
يتعذر عليهما الاستمرار في الزواج.
3-7- الإحساس بالرعاية الوالدية:
يصل
الزواج في هذه المرحلة إلى مستوى العطاء أكثر من الأخذ، و بذل الحب أكثر
من طلبه، و التضحية من أجل الآخرين بدون مقابل، فيزداد اهتمام كل من
الزوجين بالعمل في سبيل رعاية الآخر، و الإنفاق عليه. و العناية به، رغبة
فيه و حباً له، فتسمو العلاقة الزوجية إلى مستوى الرعاية الوالدية في
العطف و الحنان، و في المودة والرحمة. فيشعر أحد الزوجين تجاه الآخر
بعاطفة الأبوة أو الأمومة، فتحنو الزوجة على زوجها كأمه، و يحنو الزوج على
زوجته كأبيها.
و يزداد في هذه المرحلة حب الأطفال، و بذل الجهد في
تربيتهم و العناية بهم، و العمل من أجل الأسرة و تحسين ظروفها، و مع هذا
لا يرتبط الإحساس بالرعاية الوالدية بالإنجاب أو عدم الإنجاب. فقد يحس كل
من الزوجين بالرعاية الوالدية من الزوج الآخر دون أن ينجبا، و قد ينجبا و
لا ينمو عندهما الإحساس الوالدي، فيكون عطفهما على الأطفال ناقصاً.
و
الخطر الذي يتهدد النمو في هذه المرحلة استغراق أحد الزوجين في ذاته، وعدم
قدرته على التحرر من أنانيته و فرديته، فيهتم براحته الشخصية، و يعيش
لإشباع حاجاته و شهواته، و لا مكان عنده لرعاية الآخرين و العناية بهم،
فيكره الإنجاب، و إذا أنجب لا يربي، و يزعجه وجود الأطفال في البيت، و لا
يتحمل مسؤولياتهم، و الزوج بهذا النوع لا يعبأ بأخلاقيات الزواج و الطلاق،
و لا يكترث بما يترتب عليهما من مسئوليات، فالمهم عنده إشباع حاجاته و
تحصيل ملذاته.
3-8- الإحساس بالتكامل بين الزوجين:
وهي أعلى مرتبة
في نمو الزواج، و فيها يتكامل الزوجان، و يشعر كل منهما بعدم قدرته عن
الاستغناء عن الآخر، و يخلص له و يضحي من أجله، و يعمل على إكرامه
وإنصافه، و يحبه بعيوبه، و يدافع عن زواجه بكل قوة، و يشعر بالسعادة في
علاقته الزوجية، ويجد في زواجه الأمن و الطمأنينة و السكن النفسي، و
المودة و الرحمة، ويزداد ارتباطه بالزوج الآخر و اندماجه معه.
و الخطر
في هذه المرحلة يكمن في إحساس أحد الزوجين أو كليهما باليأس في حياته
الزوجية، عندما ينحرف الزواج عن مساره الطبيعي و تحل أزمات مراحله السابقة
في الاتجاه غير المرغوب فيه، فتتراكم في المرحلة الثامنة أحاسيس عدم الثقة
و الخجل والشك و الذنب و التقمص و تمتع الهوية و العزلة و الاستغراق في
الذات و اليأس. و هذا يعني أن الإحساس باليأس يمثل قمة التعاسة و الشقاء
في الزواج، بينما يمثل الإحساس التكامل قمة السعادة الزوجية. و بين
القمتين درجات تبين مستويات النجاح و الفشل في الزواج، واتجاهات نموه، و
متانة العلاقة الزوجية، و أساليب التفاعل و التوافق الزواجي.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اقل كلمة شكر تجعلنى ازداد فى العطاء